فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.سورة الأنفال:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [1].
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
روى البخاري عن ابن عباس أن سورة الأنفال نزلت في بدر.
وروى الإمام أحمد عن عُبَاْدَة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس، فهزم الله تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها، فليس لأحد فيها نصيب.
قال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم.
وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة، واشتغلنا به، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} الآية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على قُواقٍ من المسلمين.
وهذا الحديث رواه الترمذي أيضاً وحسنه، ورواه ابن حيان في صحيحه، وصححه الحاكم.
ولفظ ابن إسحاق عن عبادة قال: فينا، أصحاب بدر، نزلت، حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السواء.
وروى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع كذا وكذا فله من النّفل كذا وكذا». فتسارع في ذلك شبان القوم، وبقي الشيوخ تحت الرايات.
فلما كانت المغانم، جاؤوا يطلبون الذي جعل لهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا ردءاً لكم، لو انكشفتم لثُبتُم إلينا، فتنازعوا، فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} الآية، وهذا مما يفيد أن التشاجر كان متنوعاً، وأن الآية نزلت لفصله.
والأنفال: هي المغانم، جمع نفل محركة، وهو الغنيمة، أي: كل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب.
قال ابن تيمية: سميت بذلك، لأنها زيادة في أموال المسلمين. أي: لأن النفل يطلق على الزيادة، كما في التاج، ومنه النافلة لصلاة التطوع لزيادتها على الفريضة.
وقوله تعالى: {قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} قال المهايمي: أي: ليست هي في مقابلة الجهاد، وإنما مقابله الآجر الأخروي، وهذه زائدة عليه، خرجت عن ملك المشركين فصارت ملكاً خالصاً لله ولرسوله. والرسول خليفة يعطيها، على ما أراه الله، من يشاء، لوما أطلق له صلى الله عليه وسلم الحكم فيها فقسمها بينهم بالسوية، ووهب من استوهبه.
فروى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قُتل أخي عمير وقتلتُ سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اذهب فاطرحه في القبض، قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله، من قتل أخي، وأخذ سلبي.
قال: فما جاوزت إلا يسيراً حتى نزلت سورة الأنفال.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فخذ سلبك».
وروى الإمام أحمد والترمذي- وصححه- عن سعد بن مالك قال: قلت: يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين، فهب لي هذا السيف، فقال: «إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعه».
قال، فوضعته ثم رجعت، فقلت: عسى أن يعطي هذا السيف اليوم من لا يبلي بلائي.
قال: إذا رجل يدعوني من ورائي.
قال: قلت: قد أنزل الله فيّ شيئاً. قال: كنت سألتني السيف، ليس هو لي، إنه قد وهب لي، فهو لك. قال: وأنزل الله هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} الآية.
تنبيهات:
الأول: ذهب بعضهم إلى أن أنفال بدر قسمت من غير تخميس، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس، فنسخت الأولى.
قال ابن كثير: فيه نظر. ويرد عليه حديث علي بن أبي طالب في شَارفَيه اللذْين حصلا له، من الخمس، يوم بدر. فالصواب أنها مجملة محكمة، بين مصارفها في آية الخمس.
الثاني: روي عن عطاء أنه فسر الأنفال بما شذّ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو أمةٍ أو متاع.
قال: فهو نفلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء.
قال ابن كثير: وهذا يقتضي أنه فسر الأنفال بالفيء وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال.
قلت: صِدقُ النفل عليه، لا شك فيه، وأما كونه المراد من الآية بخصوصه، فلا يساعده سبب نزولها المارّ ذكره، لاسيما قوله: {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} المشير إلى التنازع المتقدم.
ثم قال ابن كثير: واختار ابن جرير أنها الزيادة على القسم، أي: ما يدفع إلى الغازي زائداً على سهمه من المغنم، والكلام الذي قلته قبل، يجري هنا أيضاً.
ونقل الرازي عن القاضي، أن كل هذا الوجوه تحتمله الآية. قال: وليس فيها دليل على ترجيح بعضها على بعض، وإن صح في الأخبار ما يدل على التعين، قضى به، وإلا فالكل محتمل.
وكما أن كل واحد منها جائز، فكذلك إرادة الجميع جائزة فإنه لا تناقض بينها. أي: لصدق النَّفل عليها.
الثالث: وقع عند الزمخشري أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر، لمن الحكم فيها أللمهاجرين أم للأنصار، أم لهم جميعاً؟ فأجيبوا بأن الحاكم فيها الرسول، وليس لأحد فيها حكم.
تأثر الزمخشري أبو السعود في سوقه لما ذكر، وزاد عليه اعتماده له، بتطويل مملّ، ولا أدري من أين سرت لهم هذا الرواية.
فإن رواة الآثار لم يخرجوها في صحاحهم ولا سننهم، بل ولا أصحاب السير، كابن إسحاق وابن هشام، وهل يمكن للمسلمين أن يختلفوا للحكم على الغنائم، ويتنازعوا ولايتها، والرسول بين أظهرهم؟ ومتى عهد ذلك من سيرتهم؟ سبحانك هذا بهتان عظيم! ولكن هو الرأي قاتله الله! ونبذ كتب السنة، والتقليد البحت، الذي لا يهتم صاحبه بحقائق الأشياء، ولا يريد معرفتها ولا فحصها بالعقل يضع قدمه على القدم، حيث يكون مطواعاً لآراء غيره، منقاداً لها مصدقاً ما ينطق به فمه، غثاً كان أو سميناً. اللهم نور بصيرتنا بفضلك.
وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللّهَ} أي: في الإختلاف والتخاصم، وكونوا متحدين متآخين في الله.
وقوله تعالى: {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} أي: أحوال بينكم، يعني ما بينكم من الأحوال، حق تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق.
وقوله تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ} أي: في قسمه بينكم، على ما أراه الله تعالى. وقوله تعالى: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي: كاملي الإيمان.
ثم بين تعالى من أريد بالمؤمنين بذكر أوصافهم الجليلة، المستتبعة لما ذكر من الخصال الثلاث، ترغيباً لهم في الإمتثال بالأوامر المذكورة، فقال سبحانه.

.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [2].
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} أي: الكاملون المخلصون فيه {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ} أي: حقه أو وعيده {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: فزعت لذكره، واقشعرت إشفاقاً ألا تكون قامت بحقه، وتهيباً من جلاله وعزة سلطانه، وبطشه بالعصاة وعقابه.
قال الجشمي: ومتى قيل: لم جاز وصفهم هاهنا بالوجل والطمأنية في قوله {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْر}، فجوابنا فيه وجوه:
منها: أنه تطمئن قلوبهم عند ذكر نعمه، وتوجل لخوف عقابه بارتكاب معاصيه.
ومنها: أن قلوبهم تطمئن لمعرفة توحيده، ووعده، ووعيده، فعند ذلك توجل لأوامره ونواهيه، خوف التقصير في الواجبات، والإقدام على المعاصي، المستقبل يتغير حاله. انتهى.
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ} أي: حججه وهي القرآن {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} أي: يقيناً وطمأنينة نفس، إلى ما عندهم، فإن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه، وأثبت لقدمه.
وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة الآية وأشباهها، على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمة، بل قد حكى الإجماع عليه غير واحد، كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد.
{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي: لا يرجون سواه، ولا يخشون غيره، ولا يفوضون أمورهم إلى غيره.
ولما ذكر تعالى، من أعمالهم الحسنة، أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل، أعقبه بأعمال الجوارح من الصلاة والصدقة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [3].
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ} أي: المفروضة بحدودها وأركانها، في أوقاتها.
والموصول نعت للموصول الأول، أو بيان له، أو منصوب على المدح.
وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} عام في الزكاة، وأنواع البر والقُربات.

.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [4].
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} أي: لا شك في إيمانهم.
و: {حَقّاً} صفة لمصدر محذوف، أي: إيماناً حقاً أو مصدر مؤكد للجملة، أي: حق ذلك حقاً، كقولك، هو عبد الله حقاً.
قال عَمْرة بن مرة في هذا الآية: إنما أنزل القرآن بلسان العرب، كقولك: فلان سيد حقاً، وفي القوم سادة، وفلان تاجر حقاً، وفي القوم تجار، وفلان شاعر حقاً، وفي القوم شعراء. انتهى.
وكأنه أراد الرد على من زعم أن حقاً من صلة قوله: {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ} بعد، تأكيداً له، وأن الكلام تم عند قوله {الْمُؤْمِنُونَ}، فإن هذا الزعم يصان عند أسلوب التنزيل الحكيم.
وقد تطرف بعض المفسرين هنا لمسألة شهيرة وهي: هل يجوز أن يقال: أنا مؤمن حقاً.
قال الطوسي في نقد المحصل: المعتزلة ومن تبعهم يقولون: اليقين لا يحتمل الشك والزوال، فقول القائل: أنا مؤمن إن شاء الله لا يصح إلا عند الشك، أو خوف الزوال. وما يوهم أحدهما، لا يجوز أن يقال للتبرك. انتهى.
والغزالي في الإحياء، بسط هذه المسألة، وأجاب عمن سوغ ذلك بأجوبة:
منها: التخوف من الخاتمة، لأن الإيمان موقوف على سلامة الخاتمة.
ومنها: الإحتراز من تزكية النفس.
ومنها: غير ذلك، انظره بطوله.
وقال ابن حزم في الفصل: القول عندنا في هذه المسألة، أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه، فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز وجل، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبكل ما أتى به، وأنه يقر بلسانه بكل ذلك، فواجب عليه أن يعترف بذلك، كما أمر تعالى في قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
ولا نعمة أوكد ولا أفضل، ولا أولى بالشكر، من نعمة الإسلام، فواجب عليه أن يقول: أنا مؤمن مسلم قطعاً عند الله تعالى في وقتي هذا.
ولا فرق بين قوله أنا مؤمن مسلم، وبين قوله أنا أسود أو أنا أبيض، وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها، وليس هذا من باب الإمتداح والعجب في شيء، لأنه فرض عليه أن يحقن دمه بشهادة التوحيد.
وقول ابن مسعود: أنا مؤمن إن شاء الله عندنا صحيح، لأن الإسلام والإيمان إسمان منقولان عن موضوعهما في اللغة، إلى جميع البر والطاعات.
فإنما منع ابن مسعود الجزم على معنى أنه مستوف لجميع الطاعات، وهذا صحيح.
ومن ادعى لنفسه هذا فقد كذب بلا شك، وما منع أن يقول المرء إني مؤمن بمعنى مصدق.
وأما قول المانعين: من قال أنا مؤمن، فليقل إنه من أهل الجنة فالجواب: إنا نقول إن متنا على ما نحن عليه الآن، فلابد لنا من الجنة بلا شك.
وبرهان ذلك أنه قد صح من نصوص القرآن والسنن والإجماع، أن من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبكل ما جاء به، ولم يأت بما هو كفر، فإنه في الجنة إلا أننا لا ندري ما يفعل بنا في الدنيا، ولا نأمن مكر الله تعالى، ولا إضلاله، ولا كيد الشيطان، ولا ندري ماذا نكسب غداً، ونعوذ بالله من الخذلان. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله.
ولقد أجاد فيما أفاد.
وقوله تعالى: {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ} أي: منازل ومقامات عاليات في الجنة {وَمَغْفِرَةٌ} أي: تجاوز لسيئاتهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وهو ما أعد لهم من نعمي الجنة.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية على أشياء:
منها: أن الإيمان إسم شرعي لثلاث خصال: القول، والإعتقاد، والعمل، خلاف ما تقوله المرجئة، لأن الوجل وزيادة التصديق من فعل القلب، والتدبر والتفكر كذلك، والصلاة والإنفاق من أعمال الجوارح، والتوكل يشتمل على فعل القلب والجوارح.
ثم بين في آخره أن من جمع هذه الخصال فهو المؤمن حقاً.
ومنها: أن الواجب عند تلاوة القرآن التدبر والتفكر فيما أمر ونهى، ووعد وأوعد، لينجر للرغبة والرهبة، وذلك حث على الطاعة، وزجر عن المعاصي.
ومنها: وجوب التوكل عليه، والتوكل على ضربين: منها في الدنيا، ومنها في الدين.
أما في الدنيا فلابد من خصال:
منها: أن يطلب مصالح دنياه من الوجه الذي أتيح له، ولا يطلب محرماً.
ومنها: إذا حرم الرزق الحلال لا يعدل إلى محرّم.
ومنها: ألا يظهر الجزع عند الضيق، بل يسلك فيه طريق الصبر، واعتقاد أن ما هو فيه مصلحة له.
ومنها: أن ما يرزق من النعم بعدها من جهته تعالى، إما بنفسه أو بواسطة.
ومنها: ألا يحسبه عن حقوقه خشية الفقر.
ومنها: ألا يسرف في النفقة ولا يفتقر.
فعند اجتماع هذه الخصال يصير متوكلاً.
فأما الذي يزعمه بعضهم، أن التوكل إهمال النفس، وترك العمل، فليس بشيء.
وقد أمر الله تعالى بالإنفاق، وبالعمل، وثبت عن الصحابة- وهم سادات الإسلام- التجارة والزراعة والأعمال، وكذلك التابعين، وبهذا أجرى الله العادة.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي أن يعقل ناقته ويتوكل.
فأما التوكل في الدين فخصال:
منها: أن يقوم بالواجبات، ويجتنب المحارم، لأنه بذلك يصل إلى الجنة والرحمة.
ومنها: أن يسأله التوفيق والعصمة.
ومنها: أن يرى جميع نعمه منه، إذا حصل بهدايته وتمكينه ولطفه.
ومنها: أن لا يثق بطاعته جملة، بل يطيع ويجتنب المعاصي، ويرجو رحمة ربه، ويخاف عذابه، فعند ذلك يكون متوكلاً.
ثم قال الجشمي: وتدل الآية على أن تارك الصلاة والزكاة لا يكون مؤمناً، خلاف قول المرجئة. انتهى.